بقلم د/ عبدالله أحمد جمال – مدرس علم النفس التربوي المساعد، كلية التربية – جامعة المنيا
الأخلاق: جذر الرسالة وأصل المهنة.
ليست الأخلاق ترفًا تزيينيًّا في شخصية الأستاذ الجامعي، بل هي نُواة وجوده الأكاديمي، وميزان عدله في القول والعمل. فالعلم دون أخلاق كالسيف في يد أعمى، يعجز عن الهداية ويُخشى منه الضلال، وإذا كانت غاية الجامعة بناء الإنسان قبل العنوان، فإن أول لبنة في هذا البناء هي النموذج الأخلاقي الذي يجسّده الأستاذ في سلوكه اليومي: عدله في التقييم، صدقه في المشورة، تواضعه مع الطالب، وأمانته في النقل والفكر.
وقد أشار القرآن الكريم إلى تلازم العلم بالخوف من الله كدليل على نقاء البصيرة:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]
ولذا، لا يُعوَّل على معرفة يتصدّرها الخُلق الفاسد، ولا على تعليم يفتقر إلى قدوة.
قال الشاعر:
لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يُتوَّج ربه بخلاقِ
التدريس ونقل الخبرات: صناعة الوعي لا تكرار المعلومة.
التدريس ليس عرضًا لنص محفوظ، ولا استعراضًا لمجد شخصي، بل هو احتراق داخلي يضيء عقول الآخرين. أستاذ الجامعة هو واسطة العقد بين الماضي والمستقبل، يُعيد تشكيل المعرفة لتغدو حيّة في أذهان تلاميذه، لا جثّة محفوظة في دفاترهم. فكما قال سقراط: “أنا لا أعلّم أحدًا، إنما أُوقظهم”. لذا، لا يقتصر دوره على تسليم المادة العلمية، بل يشمل زرع روح التساؤل، وبثّ الشك المنهجي، وتوريث الشغف بالمعرفة.
قم للمعلّم وفّه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
فالتدريس المثمر هو تفاعل خلاق، يربّي العقل لا يملأه، ويفتح الأفق لا يُغلقه بمنهاج أو قالب.
البحث العلمي والتطوير الذاتي: التزام معرفي لا رفاهية مهنية.
البحث العلمي في حياة الأستاذ ليس مهمة ثانوية أو وسيلة للترقية، بل هو جوهر التكوين المستمر، وسعي دائم نحو الحقيقة. فكما أن الجمود عدوّ الطبيعة، فإن الركود عدوّ المعرفة. العالم لا يشيخ إلا حين يتوقف عن السؤال، ولا يتقهقر إلا حين يظن أنه وصل. ولهذا، كان البحث العلمي تجليًا للمسؤولية الفكرية لا لمجرد الإنتاج، وطريقًا للتطوير الذاتي لا استهلاكًا للوقت.
وقد حث القرآن على السعي المستمر للتفكر والتقدم:
﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]
“ومن لم يذق مرّ التعلم ساعة تجرّع ذل الجهل طول حياته”
ومن هنا، وجب على الأستاذ أن يكون قارئًا نَهِمًا، ومجددًا في أدواته، ومراجعًا لذاته باستمرار، ليواكب تحوّلات العالم لا أن يكتفي بماضيه.
خدمة المجتمع: منبر العلم خارج الأسوار.
رسالة الأستاذ لا تنتهي عند حدود المدرجات، ولا تُختزل في حضور المؤتمرات، بل تمتد لتُلامس هموم الناس وقضاياهم، فتتحوّل المعرفة إلى أثر، والعلم إلى بصمة في نسيج المجتمع. خدمة المجتمع ليست نشاطًا تكميليًا، بل هي الامتداد الطبيعي للدور الأكاديمي، إذ لا يكتمل التعليم ولا البحث ما لم يصبّا في نهر الإصلاح العام.
قال النبي ﷺ: “أحبّ الناس إلى الله أنفعهم للناس”، وهي قاعدة ذهبية ينبغي أن تسكن عقل وقلب كل أستاذٍ يحمل رسالة.
وفي القرآن الكريم إشارة إلى هذا المعنى في وصف المؤمنين الصالحين:
﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9]
وكن رجلاً إن أتوا بعده يقولون مرّ، وهذا الأثرْ
فالمجتمع لا يحتاج إلى معلم ناظر من برج عاجي، بل إلى عالم فاعل، يسهم في التغيير، ويفتح بوابات الأمل، ويُضيء العتمات بالفكر والموقف.